نهاية خائنة .. ؟؟
سقطت الأمطار غزيرة على تلك القرية الريفية الجميلة… كانت تعرف بالقرية الهادئة أو القرية الطبية …
أهلها اناس طيبون…لا يعرف الحقد أو الحسد طريق اليهم
"الحمدانية" … هكذا أطلق أهلها عليها..
أهلها الطيبون يعملون بالزراعة والحصاد..ليس فيهم جائع أو محتاج…فالكل يعمل بالأرض ويأكل من خيرها..
لم يكن أحد منهم يبخل على أحد من أهل القرية بشيء..عرفوا بالكرم وحسن الخلق..
كان الجار اذا احتاج الى الخضار التي يزرعها جاره..دخل مزرعته واخذ منها بقدر حاجته دون أن ينتظر الإذن..
ولدوا على المحبة .. ورضعوا الأخوة..وتربوا على مكارم الأخلاق..
رجال القرية وشبابها يخرجون صباحا الى الحقول يعملون بها حتى المساء أما النساء فكانت تربية الأولاد هي مهمتها الرئيسية…أما الفتيات فيحملن الطعام الى الرجال..
ومن بين تلك الفيات كانت "سيمرة"..
"سيمرة" أجمل فتيات القرية…لم تكن أعين الشباب تتجه الا اليها حين يجيء موعد الغداء…ومنهم من كان ينتظر ذلك الوقت حتى تأتي .. ثم يطلقون العنان لأعينهم وقلوبهم…وكان منهم "خالد"….
"خالد" شاب نشيط..أحب الزراعة واحترف العمل بها منذ نعومة أظفاره..الى أن بلغ الثالثة والعشرين من العمر…
لم يكن يمر يوم الا وينتظر مجيء "سميرة" .. وينظر اليها من بعيد
أما سميرة فلم تكن تلاحظ ذلك الشي .. لانها تعلم أن عشرات الشبان يحملقون بها..فكان الغرور يسيطر عليها..وكان شمة من شيمها..كانت دائما تحاول لفت أنظار الشباب اليها
سميرة بنت مدللة.. فهي وحيدة أمها وابيها..لم يرزقا الا بها..وبلغا من العمر عتيا..
كذلك كان سيف …وحيد أمه وأبيه..
*******
"متى أفرح برؤيتك عريسا يا خالد؟"
سؤال طالما كانت أم خالد توجهه له..ولكنه في كل مرة كان يدعى الانشغال بالعمل ..وعدم رغبته بالزواج..
وفي ذات يوم…
- "خالد"..
- نعم يا أبي..
- أريد أن احدثك بموضوع…
- تفضل يا أبي ..خيرا ان شاء الله..
- كل الخير ان شاء الله..
ثم تابع…
- أنا وأمك يابني ..نريد لك أن تكمل نصف دينك..ونفرح بك…
ارتسمت على وجه "خالد" ابتسامة عريضة..حاول أن يخفيها ولكن أمه انتبهت فقالت باسمة..
- الولد موافق يا أبو خالد..ألا ترى تلك الابتسامة… من ياترى تكون؟..
اعتدل أبو خالد من مقعده وهو يبتسم وقال…
- هل اخترت لنفسك واحدة من بنات القرية؟ أم تترك ذلك لأمك؟.
ثم وجه حديثه الى أم خالد..
- ماذا يا أم خالد؟..هل وجدتي لابنك غزالة أم مهرة؟
ضحك الجميع بصوت عال ثم قالت أم خالد..
- انها جميلة الجميلات يا "خالد"..لم أرى أجمل منها …اخترتها لك دون بنات القرية كلهن..
قال "خالد" بلهفة…
- من يا أمي من؟
- هه.. ومن غيرها يا "خالد".."سيمرة"..
- بدى الارتياح والسعادة على وجه "خالد" فقد أزاح عنه أبواه عبأ البوح لهما باعجابه "بسميرة" ورغبته بالزواج منها…
- ماذا قلت يا "خالد"؟.. هل نذهب إلى أهلها الليلة؟
- الليلة يا أبي!؟!
ردت الأم بسرعة..
- نعم الليلة..ولماذا التأخير؟ ..خير البر عاجلة..
- الكلمة الأولى والأخيرة لكما يا والدي العزيزان..
الأب وقد نهض عن كرسيه ويتأهب للخروج…
- على بركة الله …الليلة نذهب الى بيت الشيخ "توفيق" ونطلب يد ابنته..
وأطلقت الأم العنان لحنجرتها ولسانها… و"خالد" لأحلامه وخياله..
"ياأهلا وسهلا يا أبا خالد… يا أهلا وسهلا يا "خالد"…تفضلا هنا.."
رحب الشيخ "توفيق" بالأب وابنه ترحيبا كبيرا وخاصا. فأبو خالد صديقه العزيز..وبدأ الكلام عن أيام الطفولة حتى بلغا الشيخوخة..
- آآه ..أيام يا أبا خالد مضت من أعمارنا…لم يبقى من العمر بقدر ما مضى..
- آيه…صدقت يا شيخ "توفيق" صدقت..
ثم نظر الى "خالد" وهو يقول..
- ولكن البركة في الشباب وان شاء الله يكملون المشوار عنا يا شيخ..
فطن الشيخ توفيق لمغزى كلام أبو خالد فابتسم له وقال..
- ماشاء الله … "خالد" أصبح رجلا يفتخر به… الله يبارك لك فيه..
ابتسم أبو خالد وقد سر من مدح الشيخ لابنه..ثم اعتدل وقال..
- في الحقيقة يا شيخ "توفيق" انت كما ترى الأيام تمر بسرعة وأم خالد تنتظر اليوم الذي ترى فيه ابنها عريسا…ويشرفنا أن نطلب يد ابنتك "سيمرة" "لخالد"..
- ازداد شرفا يا أبو خالد ..أزداد شرفا…هل أجد لابنتي أحسن من خالد وأهله…انتم الشرف كله يا جماعه..ولكن لابد من استشارة أمها وأخذ رأي البنت أيضا….
أبو خالد..
- طبعا …طبعا يا شيخ …
- بعد اذنكم لحظة…
- تفضل …
دخل الشيخ"توفيق" على "سيمرة" وأمها وعرض عليهما الموضوع…
- موافقين طبعا يا أبا سميرة.. هل بعد نسب أبو خالد نسب؟…
- مهلا يا أم سميرة…
ثم التفت الى "سميرة" …
- ما رأيك يابنتي؟..
مطت "سميرة" شفتها ثم قالت…
- لا مانع …يقولون أنه شاب وسيم..
هز الشيخ"توفيق" رأسه وقال…
- ليس المهم الشكل ياابنتي…المهم الأخلاق …"خالد" شاب ممتاز..
- كما ترى يا أبي…
- على بركة الله …مبروك..
وعاد الشيخ الى ضيوفه با سما ..وانتظره ابو خالد حتى جلس فقال له..
- هل نقول مبروك يا شيخ؟..
- نقرأ الفاتحة… على بركة الله..
وتحركت الألسن بذكر الله…
*******
عمت الأفراح في الحي… ورقص الرجال … وغنت النساء وأكل الجميع وشربوا ..حتى اذا انتصف الليل.. انصرف الجميع وهم يدعون بالتوفيق للعريسان…
"خالد" لم يتمالك نفسه من الفرح…فقد ظفر بالفتاة التي أراد والتي طالما حلم بها.. أما "سميرة" فكانت تكتفي بابتسامة صغيرة..
وعلى غير عادة أهل القرية، أراد "خالد" أن يقضي شهر العسل في المدينة …فانطلق فور انتهاء مراسم العرس، ليبدأ حياة الزوجية…ولتبدأ القصة..
*******
"لماذا تبكين يا أم خالد؟.."
- اشتقت له يا أبو خالد…
- لم يمض على ذهابه سوى أسبوعان…أنت تبكين هنا وهو هناك يضحك سعيدا مع زوجته…
- الله يسعده… أدعي له كل يوم وفي كل صلاة…ولكن قلب الأم…
- اطمأني يا أم خالد.. اطمأني بعد أسبوعين سترينه بخير وعافيه باذن الله..
آمين يا رب
*******
وتمر الأيام…
"أم خالد ..أحدهم بالباب…افتحي.."
وتفتح أم خالد الباب و…
- "خالد" …كيف حالك يا بني؟…
وتحتضنه الأم وتقبله…ثم تلتفت الى "سميرة" ..وتسلم عليها…
- كيف حالك يا "سميرة"؟..
سميرة وهي تكاد تبسم…
- الحمدلله..
ثم دخلت الى حجرتها سريعا..
دخل خالد وسلم على أبيه وجلس…
- أين "سميرة" يا "خالد"؟..
- انها في حجرتها..
قطب الأب حاجبيه وقال…
- هل اغضبتها يا "خالد"؟…
- كلا يا أبي…
- ولماذا لم تأتي لتسلم علي وتجلس معنا؟..
خالد بعد أن فكلا قليلا..
- لابد وانها متعبة يا أبي
الأب بعد أن أعتدل..
- حسنا..كيف كان شهر العسل؟..
خالد يبتسم ببطأ ثم يقول…
جيد..
ثم استأذن وذهب الى حجرته…
التفتت أم خالد وقالت..
- لا أرى السعادة بادية عليهم يا أبا خالد..
- وانا أيضا لا أرى ذلك…
ثم نهض وهو يقول…
- اتمنى أن تكون ظنونا يا أم خالد..
ثم نظر الى غرفة "خالد" وقطب حاجبيه وقد على صوت "خالد" زوجته
- أبا خالد …هل تسمع…انهما..
- نعم..نعم أسمع..
ثم قال وهو يحاول طمأنتها..
- شيء طبيعي يا أم خالد…
ثم ابتسم وقال..
- كل المتزوجون هكذا..
ولكن الصوت يعلو ويعلو..
*******
جائت أم سميرة لزيارت ابنتها…وبعد أن جلست مع أم خالد قليلا قامت ولحقت بابنتها الى الغرفة..ثم قالت والابتسامة على وجهها..
- كيف كانت أيام العسل يا سميرة؟
- أفف ..لم أرى أي عسل يا أمي..
الأم بعد أن ذهبت الابتسامة..
- ماذا؟ هل أساء "خالد" معاملتك؟
- لا..
- اذا لماذا هذا الكلام؟..
- لا أعلم …ولكني غير سعيدة…
- "سميرة" ..كفاكي دلالا يا ابنتي.. انت الآن زوجه.. وان شاء الله ستكونين أما..
"سميرة" بلامبالاة..
- لا أدري لماذا تزوجت .. الزواج يقيد الانسان …زوج.. بيت.. أولاد.. مسؤولية..
- "سميرة"!!.. لم يمض على زواجك سوى شهر…لاتقولي هذا الكلام أمام أحد خاصة زوجك..
ثم استدكت..
- ثم ماهذا الكلام الذي أسمع؟… ألا تدركين معنى كلامك؟..
- أعلم…لايهمني…
نهضت الأم وهي تحاول أنهاء الموضوع..
- لقد تأخرنا على أم خالد..هيابنا…
كانت سميرة تسأل نفسها كثيرا وتلوم نفسها أكثر لانها تزوجت…كان تفكيرها غريبا…لا تريد أن تتحمل مسؤولية شيء…تريد أن تبقى البنت المدللة …تطلب فتجاب..دون أن تسأل عن شيء…
أما الآن فقد تغير الحال..
كان "خالد" يمضي النهار كله في الحقل…لايرى "سميرة" سوى حينما تحضر له الغداء وبعد أن يعود في المساء …ويتناول طعام العشاء ... يلقي بجسده المنهك فينام حتى الفجر..
وفي الساعات القليلة التي كان يرى فيها سميرة..لم تكن تكف عن الشكوى من أمه ومن عمل البيت..
"ماذا؟..هل تريدين مني أن أترك بيت الأسرة وأسكن بعيدا عنهم.."
- ولم لا؟.. أمك لا تكف عن مضايقتي..انت لا حول لك ولا قوة أمامها… هل تريد أن أعيش بكآبة طول حياتي؟..
- سميرة.. عزيزتي.. انت تهولين الموضوع.. أمي تحبك وتحترمك كما تحبني وتحترمني…
ثم تابع..
- قد تغضب أحيانا.. هذا صحيح… انت تعلمين أنها امرأة كبيرة…هكذا الكبار بالسن..
- خالد ..اذا لم نرحل الى بيت آخر أترك البيت وأذهب الى بيت أبي …هناك أعرف قدري وقيمتي…
- قدرك وقيمتك من قدري وقيمتي يا عزيزتي..
ثم هز رأسه وتابع..
- "سميرة"…منذ اليوم الأول لزواجنا وأنا لا أحس أنك سعيدة.. ؟"سميرة" …دعينا نعيش بسعادة يا عزيزتي…
- كيف تريدني أن أكون سعيدة وانا أسيرة في غرفة صغيرة…هل هذه سعادة…
- وكيف يعشن بنات القرية الأخريات؟…هل يعشن في قصور؟!..
- أنا لا أريد قصرا.. أنا أريد بيتا صغيرا.. "خالد" انت تحكم على حياتنا بالفشل اذا رفضت..
"خالد" وقد تنهد ببطأ..
- حسنا.. دعيني أجد الفرصة المناسبة لمفاتحة والدي بالموضوع…
- ماذا؟.. هل انت طفل حتى تأخذ الاذن من والدك؟..
- انه والدي يا "سميرة"…يجب أن آخذ رأيه. هل تريدين أن أرحل دون أن أخبره…
- أفف … أنا لا أقول هذا… أنا أريدك أن تخذ قرارك بنفسك.. لا أن تنتظر حتى يفعل ذلك أبوك..
"خالد" وقد قطب حاجبيه…
- "سميرة" أنا لا أسمح لك بذلك مفهوم…
همت "سميرة" بالخروج من الغرفة فقال "خالد"..
- دعي هذا الأمر علي وأنا سأتصرف..
ابتسمت "سميرة" وقالت بسخرية..
- حسنا … سنرى ذلك..
*******
"هل تريد أن ترحل وتتركنا يا خالد؟"
- أبي سأكون قريبا منكم وسأزوركم كل يوم..
- لكن لماذا؟!
كانت أم خالد جالسة معهم فلما سمعت كلام ابنها قامت وهي تحاول منع دموعها..
فناداها "خالد"..
- أمي ..أمي أنتظري لحظة..
- دعها يا "خالد" ..والآن أخبرني …لماذا تريد أن ترحل؟.
طأطأ "خالد" رأسه ولم يجب فقال الأب..
- أجبني يا "خالد"…
- أبي ..أنا في حيرة…لا أريد أن أغضب أمي ولا أريد أن أخسر "سميرة" ..
- أمك وسميرة!!! …ماهذا الكلام.؟ ماذا تقصد؟..
- "سميرة" تشتكي من معاملة أمي لها…فأمي تصرخ في وجهها وتوكل لها أعمال المنزل وهي كما تعلم.. أقصد "سميرة" …غير معتادة على هذا الشيء و..
قاطعه الأب قائلا…
- هل هذا هو السبب؟… هل اشتكت لك صراحة..
- نعم يا أبي…
قال الأب غاضبا…
- وماذا تريدها أن تفعل لها؟..هل تقول لها أجلسي وأنا أخدمك..لا تجهدي نفسك فأنت الطفلة المدللة..
- أبي ..أرجوك …لا أريد أن يكبر الموضوع..
الأب بسحرية..
- نعم..نعم…لا تريد أن غضبها..
ثم قام وهو يقول بغضب..
- أفعل ما شئت …لا شأن لي بك..
- أبي لا تغضب يا أبي…
ومضى دون أن يلتفت اليه..
*******
لم تسع السعادة "سميرة" وهي تدخل الى ذلك البيت الصغير الذي استأجره خالد في طرف القرية.. وقامت ترتب الأغراض وتنظف البيت..
- ماذا بك يا "خالد"؟.. لا أراك سعيدا…
لم يرد فقد كان يفكر..
فقالت بسخرية..
- هل انت حزين لمغادرة حجر أمك؟..
رفع "خالد" رأسه وقال..
- أنهما غاضبان على يا "سميرة"..
- أفف..ماذا يريدان؟.. لماذا لا يتركانا نعيش حياتنا؟..
- "سميرة" انت تعلمين أنني أبنهما الوحيد ولم نعتد يوما على فراق بعضنا..
قالت وهي تلوح بيدها…
- غدا تعتادون على ذلك..
ثم أردفت قائلة..
- ثم أنا أيضا وحيدة أمي وأبي.. هل يعني أن نبقى جالسين بجوارهما طول العمر..
نهض "خالد" وهو يتأهب للخروج…
- سأذهب الآن الى الحقل .لا تتأخري بالغداء..
ابتسمت "سميرة" وقالت..
- أمرك يا حبيبي…
وأنصرف "خالد" فاطلقت "سميرة" زفيرا طويلا وقال..
- أخيرا…
وتابعت عملها…
*******
مر عام على زواجها الا انهما لم يشعرا أبدا بالسعادة فكان لا يمر يوم دون مشاكل بسبب أو بدون سبب وكانت سميرة تفتعل تلك المشاكل…
حملت "سميرة" الطعام وذهبت كعادتها الى "خالد" فلما رآها ترك ما كان بيده واتجه نحوها…
وضعت الطعام ولم تجلس فقال خالد وهو يضع لقمة في فمه..
- لماذا لا تجلسين؟
رفعت رأسها وهي تنظر الى الأشجار من حولها..
- سأذهب الى أم محمد..
- أم محمد … الداية؟
- نعم..
بدت الفرحة على خالد وقال بلهفة..
- هل انت حامل؟..
قالت بدون اهتمام..
- ربما..
قام بسرعة وقال بفرح..
- الحمدلله…الحمدلله..أخيرا سأكون أبا..
لم يتمالك نفسه من الفرحة..وصار يبحث للمولود القادم عن اسم..
- اذا كان ولدا سأسميه على اسم ابي …واذا كانت بنتا على اسم أمي..
- مهلا ..مهلا ..انها مجرد شكوك ..سأذهب لأتأكد..
- ان شاء الله تكون حقيقة.. وليست شكوكا…
وسكت قليلا ثم تابع…
- ماذا تنتظرين؟…هيا اذهبي اليها...
وبالفعل ذهبت "سميرة"..وتأكدت ظنونها..
عاد خالد مسرعا الى البيت ودخل فنادى بصوت عال..
"سميرة…سميرة"
- نعم…نعم..
- ماذا قالت لك أم محمد؟..
كما قلت لك..
- حامل؟
قالت وهي تعود الى المطبخ..
- نعم …حامل..
- يا سلام… كم أنا سعيد اليوم…
ثم لحق بها الى المطبخ وقال…
- ماذا تفعلين؟..
- ألا تريد أن تأكل؟…
قال وهو يمسك بيدها..
- أرتاحي انت وانا أقوم بكل شيء…
- منذ متى وانت تساعدني في أعمال المنزل؟
- من اليوم وصاعدا سأقوم بكل شيء…
وجلست تنظر اليه..
ومرت الأيام…
"خالد…قم ياخالد"
- آآه .. خير يا سميرة..
- أعتقد انني سألد الليلة..
اعتدل خالد وجلس بسرعة على سريرة…
- هل أذهب وأحضر أم محمد؟..
قالت وهي تضع يدها على بطنها…
- بسرعة …وأخبر أمي أيضا..
وبسرعة قام خالد يلبس وأسرع يحضر الداية…
"مبروك يا خالد….بنت"
طار خالد من الفرح وهو يسمع البشرى ..فانتظر حتى تنتهي أم محمد من تغسيلها وأصر على حملها وتقبيلها.. ثم انطلق يزف البشرى لأمه وأبيه..
وعم الفرح والسرور ووزعت الحلوى على الأهل والأصحاب..
كان تلك الفرحة بالمولودة البكر..
ومرت خمس سنين .. والمشاكل ما تزال بينهما كما كانت … بل وزادت..
وفي صباح أحدى الايام...
دخل "عمر" جار "خالد" وصديقه الى مزرعة "خالد" فرآه جالسا يفكر على غير العادة فاقترب منه وسلم عليه وجلس يحاوره..
- أراك مهموما يا "خالد"؟…خير..
- آآه يا "عمر" …احس وكأن هموم الدنيا على رأسي..
أبدى عمر انزعاجه من ذلك فسأله قائلا…
- خير …مما انت مهموم هكذا؟!..
- انت تعلم اني متزوج منذ خمس سنوات ولم أرزق سوى بابنة واحدة..ولم أرزق حتى الآن بذكر يحمل اسمي واسم عائلتي..
- اذا فهذا ما يؤرقك؟…
- نعم يا عزيزي..
- لماذا اذا لا تتزوج بأخرى علك ترزق بالولد..
- فكرت بذلك يا "عمر"..
سأله "عمر" وقد بدى الاهتمام عليه..
- وهل تفعل؟… وكيف ستخبر زوجتك بذلك؟…
- ولم لا؟… لست أول من يتزوج بثانية..
- ولكن ستحول حياتها الى جحيم وستدب المشاكل بينكما
- ومن قال لك أن حياتي الآن سعيدة… المشاكل كل يوم..
- لم لا تطلقها وترتاح....
- اطلقها!!.. لا وابنتي.. هل اتركها دون رعايتي.. سأدمرها وأدمر "سميرة" أيضا… لا ..أعارض الطلاق..
- حتى لو طلبت هي ذلك؟..
يفكر "خالد" بعمق ثم يقول…
- لا أعتقد أن تتطلب ذلك…
ثم يلوح بيده ويقول..
- حتى لو طلبت ذلك … لن يوافق الأهل على الطلاق..
وبعد قليل قام وهو يقول..
- سأفاتح ابي بالموضوع … ثم أخبر "سميرة" بقراري..
وتابع عمله…
لم يعارض الاب الفكرة ..بل شجع "خالدا" على ذلك.. فهو يتمنى رؤية حفيده الذكر .. الذي يحمل اسم العائلة.. وبالتالي أصبح الطريق سالكا أمامه. وقرر أخبار "سميرة" بالموضوع وهو يتأهب للمعركة..
"سميرة... سميرة"
جاءت "سميرة" وهي تتأفف وتكتف يديها وتقول..
- نعم… خير…
جلس "خالد" وهو لا يعرف من أين يبدأ فقالت له بصوت عال..
- نعم… أنا انتظر …ماذا تريد؟…
- كم مر على زواجنا؟…
- أفف… خمس سنوات…
- خمس سنوات ولم أرزق بولد يحمل أسمي واسم والدي.. وانت …
قاطعته "سميرة" وهي تنظر الى أعلى…
- طيب…وماذا تنتظر؟ .. لماذا لا تتزوج من أخرى…
دهش "خالد" لكلامها فحاول استغلال الموقف فقال..
- هذا ما أردت أن أخبرك به … سأتزوج..
هزت "سميرة" كتفيها وهي تقول بلامبالاة..
- ولم لا؟… لامانع…
نهض "خالد" والدهشة ما زالت بادية عليه…
- أنا جاد يا "سميرة".. لقد فاتحت أبي بالموضوع ووافق..
- وأنا أيضا جادة في كلامي… من حقك أن تتزوج أربعا..
لم ينطق خالد بشيء ..فقد كانت تلك مفاجأة له.. ظن أن سميرة ستنفجر بالصراخ وتفجر البيت أعتراضا لكن ذلك لم يحصل… فقام وهو يهز رأسه ومضى خارج البيت..
لم يتأخر موعد الزواج كثيرا … وتزوج خالد من أحدى قريباته... وكان ما أثار دهشت الجميع هو حضور "سميرة" للعرس دون أن تبدو عليها أي آثار للحزن…
ومر عام…
كان خالد يعدل بين زوجتيه فكان يقضي يوما مع هذه ويوما مع الأخرى دون تفرقة أو تمييز.. حتى أنه استأجر بيتا "لمنى" حتى يسلم من المشاكل..
وجئت البشرى بحمل "سميرة".. فاستبشر "خالد" … علها تلد له الولد الذي طالما انتظره.. أما "منى" فمر العام الأول دون حمل…
ولدت "سميرة" بنتا أخرى… ففرحل بها خالد فرحا شابه بعض الحزن فهو ينتظر الولد..
ومر عام ثاني ووثالث … وتنجب "سميرة" الثالثة..
لم يسعد ذلك خالد… وغضب لدرجة أنه رفض رؤية ابنته.. وراح يصب غضبه على منى..
- مرت ثلاثة أعوام دون ان تحملي… لماذا؟
- "خالد"!… الأمر ليس بيدي… أنها مشيئة الله..
"خالد" وقد هذأ قليلا…
- استغفر الله… انت تعلمين أني تزوجتك لأن "سميرة" لم تنجب لي ذكورا..وهاهي اليوم ولدت الثالثة..
- هل تريد أن تتزوج مرة أخرى يا "خالد"؟..
- انا لم أقل هذا ..أنا أريد ولدا..
- "خالد"… ماذا أفعل يا "خالد"؟..
- ساذهب انا وانت الى المدينة غدا..
- ماذا نفعل هناك؟..
- سآخذك الى طبيب يفحصك..
- طبيب!!!
"خالد" بحدة..
- نعم طبيب… أريد أن أطمأن اذا كان بامكانك الانجاب أصلا.. سنذهب غدا صباحا…
"منى" وهي تتنهد بحزن..
- أمرك ..نذهب الى الطبيب..
ذهب "خالد" و"منى" الى المستشفى واجرت "منى" الفحوصات اللازمة وطلب الطبيب من خالد العودة في اليوم التالي…
وفعلا عاد "خالد"..
-خير يا دكتور…
- خيرا ان شاءا لله… النتائج ايجابية…. زوجتك سليمة
- هل يعني ذلك أن حملها أكيد؟.
- أنا لم أقل أكيد فنحن لم نكمل الفحوصات..
- لم نكمل الفحوصات!! … ولماذا لم تقل ذلك من قبل يا دكتور… فزوجتي الآن في القرية ..والقرية بعيد عن هنا و..
قاطعه الطبيب قائلا..
ومن قال أن الفحوصات لها؟..
- ماذا تعني يا دكتور؟.. لم أفهم..
- يجب أن يشملك الفحص أنت أيضا..فربما.. لاسمح الله يكون السبب منك انت..
نظر "خالد" الى الطبيب ثم أطلق ضحكة عالية وقال..
مني أنا؟..لا لا يا دكتور… أنا متزوج من أخرى وقد أنجبت منها ثلاثة بنات..
- حقا!! .. ما شاء الله.. ما شاء الله ولكن حتى نتأكد من كل شيء.. ويكون التقرير كاملا.. يجب أن تجري الفحوصات انت أيضا…
"خالد" يعترض ويقول..
- أقول لك عندي ثلاثة بنات وتقول يجب أن جري الفحوصات.. أنا لا أرى أي فائدة من تلك الفحوصات..
غضب الطبيب من حديثه فقال بحدة ..
- انا من يحدد ذلك يا "خالد"… وهذا هو عملنا نحن..
حاول "خالد" أن يلطف الموقف قليلا..
- حسنا حسنا… أنا تحت أمرك يا دكتور…
ابتسم الطبيب وقد أحس بالظفر وقال..
- جيد… ادخل الى هذه الغرفه وسألحق بك بعد قليل..
دخل "خالد" الى الغرفة وهو يحقد عليه .. فهو يظن أنه يرمى يذلك ليزيد من قيمة الفاتورة… والا ما معنى أن يجري الفحوصات تلك..
وبعد ان انتهى الطبيب من أجراء الفحوصات طلب من "خالد" العودة في اليوم التالي.. وأبدى الاخير موافقته وهو في قرارة نفسه لا يود العودة ثانية..
وفي اليوم التالي وبعد تفكير عميق قرر أن يذهب مرة أخرى..
" أهلا "خالد"… تفضل.."
- شكرا يا دكتور…
بدأ الطبيب يقلب بعض الأوراق أمامه وخالد ينظر اليه ولم يستطع الانتظار فقال…
- هل النتائج جاهزة يا دكتور؟..
الطبيب مازال يقلب الأوراق ويقول..
- نعم نعم..مهلا ..نعم هاهي..
ثم تابع وهو يضع نظارته جانبا..
- "خالد".. للأسف الفحوصات تأكد أنك لا تستطيع الانجاب.. فلديك ضعف في ال…
قاطعه بحدة وهو يقول…
- ماذا تقول؟..كيف لا استطيع الانجاب وقد أنجبت من قبل…
شك الطبيب في كلام خالد فقال له..
- "خالد" اسمعني … التقارير تأكد أنك لا تستطيع الانجاب… ويستحيل أن تكون قد أنجبت من قبل..
- معنى هذا أنني أكذب أليس كذلك؟..
لاحظ الطبيب أنفعال خالد فقال..
أنا لا أكذبك... أنا أقول ما تقوله التقارير نفسها..
أخرج "خالد" ورقة من جيبه وهو يقول…
- انظر ماذا تقول هذه الورقة… هل هذه تكذب أيضا؟..
نظر الطبيب الي شهادة الميلاد التي معه و "خالد" يقول..
- انظر الى الاسم… "سلمى خالد العلي" …بنتي..
دهش الطبيب .. وصار يشك في صحة التقارير فطلب من العاملين في المختبر أعادة التحاليل حالا..
فجاءت النتائج الثانية لتأكد صحة الأولى.. وزادة حيرة الطبيب..
فقال خالد وقد بدى عليه الغضب…
- ماهذا يا دكتور؟ يقولون أن هذا المستشفى من أفضل المستشفيات في المدينة..
بدى الطبيب شار الذهن وهو ينظر تارة الى التقارير التي أمامه وتارة أخرى الى خالد وفجأ خطرت بباله فكرة..
- خالد …هل تستطيع احضار ابنتك الى هنا غدا..
استغرب خالد من كلام الطبيب فقال له..
- أحضر ابنتي… وما دخل ابنتي بالموضوع… أم انك لا زلت تشك بكلامي..
هز الطبيب رأسه نافيا وهو يقول..
- لا لا ..عفوا.. أحضرها الى هنا … أريد أن اتاكد من شيئ أخير..
ثم تابع قائلا..
- سنتحمل نحن كل التكاليف.. لا عليك…
ابتسم "خالد" وقال..
- أنا لا افهم شيئا … لكن لا مانع .. سأحضرها غدا..
قام الطبيب يصافح "خالدا" وقال له..
- نحن آسفون اذا كنا قد أخطأنا يا أخ "خالد"..
"خالد" وهو يهز رأسه..
- لا عليك يا دكتور..لا عليك… اتمنى فقط ان أحصل على جواب شاف منكم..
- ان شاء الله … ان شاء الله…
وبالفعل جاء "خالد" وهو يصطحب ابنته معه.. فاستقبلهما الطبيب بحرارة . وأخذ يداعب الطفلة ويقبلها.. ثم التفت الى "خالد" وقال له..
- "خالد" ماهي فصيلة دمك؟
- فصيلة دمي!!
- نعم..
مط "خالد" شفته وقال..
- في الحقيقة.. لا أدري … لم يسبق لي أن أجريت فحص دم من قبل..
- لماذا؟ ..هذا الفحص مهم جدا..
ثم قام وهو يقول..
- نحن نجري هذا الفحص بالمجان… ما رأيك؟
هز "خالد" كتفيه وهو يقول..
- لا مانع..
اذا هيا بنا الى المختبر..
ثم نظر الى "سلمى" وقال باسما…
- وسنرى فصيلة دمك يا صغيرتي..
رافق الطبيب "خالدا" وابنته بعد انتهاء التحاليل وأجلسهما في مكتبه وجلس يحاور "خالدا" قليلا ويداعب "سلمى" حتى قاطعه رنين الهاتف .. فرفع السماعة .. ثم قال..
- حسنا.. أنا قادم..
نهض الطبيب وقال "لخالد"..
- لحظة.. ساعود بعد قليل..
وذهب الى المختبر … وهناك وجد "سالم" با نتظاره.. فقال له بلهفة ..
- ها ماهي النتيجة؟..
تنهد "سالم" وهو يقول..
- هذه البنت ليست ابنته..
- اتسعت عينا الطبيب من الدهشة وقال..
هل أنت متأكد؟..
- مئة بالمئة… لا يمكن أن تكون ابنته..
وتاكدت ظنون الطبيب..
عاد الطبيب الى خالد وجلس وهو يتأمل "سلمى" و"خالد" ينظر اليه..
- "خالد"..
- نعم يا دكتور…
صمت الطبيب قليلا ثم قال..
- خالد.. لا أدري ماذا أقول؟..
- خير يا دكتور أخفتني..
- في الحقيقة..
وصمت مرة أخرى فقال خالد..
- ماذا هناك يا دكتور؟. أخبرني..
- خالد…هذه البنت ليست ابنتك.
دهش خالد من كلام الطبيب فقال بحدة وغضب..
- ماذا تقول يا دكتور؟.. ليست ابنتي!!!.. ما هذا الكلام السخيف؟..
- نعم .. ليست ابنتك ..هذا ما اثبتته التحاليل؟
قام "خالد" غاضبا وهو يضرب بكفه على المكتب..
- اسمحلي أن أقول لك أن تحاليلكم غير صحيحة .. مرة تقولون لي أني لا أنجب وهذه المرة تقولون انها ليست ابنت .. ماذا بقي؟…
نهض الطبيب وحاول تهدأته..
- "خالد" اهدأ.. أهدأ يا "خالد".. النتائج سليمة مئة بالمئة.. ويمكنك الذهاب الى أي مستشفى آخر لتتأكد..
امسك "خالد" بيد "سلمى" وهو يهم بالخروج..
- بالطبع.. سأذهب الى مستشفى آخر..
ثم تابع …
- انصحكم أن تجدوا من يعلمك الطب.. يا طبيب..
وغادر الغرفة والدكتور يقول..
- لا حول ولا قوة الا بالله.. لا ألومك أبدا.. لا ألومك..
فور خروجه أشار "خالد" الى أول سيارة أجرة رآها وطلب من السائق أن يوصله الى مستشفى آخر ..ففعل.
وهناك طلب مقابلة أحد الأطباء وجلس يقص عليه قصته من البداية.. فطمأنه الطبيب وقال..
- لا عليك يا أخ "خالد"… لا عليك .. سنقوم الآن باجراء الفحوصات مرة أخرى .. وسنقوم أيضا باجرا فحص الدم لك ولابنتك..
- حسنا ..أنا مستعد..
هيا بنا
عاد "خالد" الى القرية بعد أن أجرى الفحوصات ووعد الطبيب بالعودة في اليوم التالي..
وفي الصباح توجه "خالد" الى المستشفى .. وانتظر طويلا حتى انتهى الطبيب من زيارة بعض المرضى وعاد الى مكتبه..
- اهلا يا "خالد" ....
- أهلا بك يا دكتور… هل انتهيتم من التحاليل..
هز الطبيب رأسه ببطأ وقال..
- نعم ..انتهينا..
قام "خالد" وهو يقول بلهفة..
- الفحوصات القديمة خاطئة أليس كذلك؟
هز الطبيب رأسه نافيا وهو يقول..
- للأسف …النتائج سليمة..
وقع الخير كالصاعقة على "خالد"… فلم يتمالك نفسه ووقع مغشيا عليه..
"خالد …افق يا خالد"
حاول الطبيب افاقته.. وبعد جهد جهيد استعاد "خالد" وعيه ..وفورا قال للطبيب..
- دكتور ما معنى الكلام الذي قلتله لي؟… أنا لا أنجب … وماذا عن بناتي؟..كيف أنجبتهم؟
طأطأ الطبيب راسه وقال..
- "خالد" ..انت لست أبا أبدا.. وليس لديك أولاد..
- ولكن يا دكتور..
- خالد ..تأكد مما يجري في بيتك..هذا كل ما استطيع قوله لك..
- ماذا تعني يا دكتور؟.
نهض الطبيب وأخذ التقارير وأعطها له وقال..
- هذه كل التقارير والتحاليل..أنا آسف..
أخذ خالد التقارير وهو غير مصدق لما يجري وأثناء عودته الى القرية استرجع كل الأحداث..
"منى".. زوجته الثانية سليمة والفحوصات تاكد انه لا ينجب والبنت ليست ابنته .."سميرة" تثير المشاكل…"سميرة" طلبت بيتا بمفردها …"سميرة" لم تهتم بزواجه الثاني.. والكثير من التساؤلات التي لم يجد لها جوابا..
وفجأة صرخ قائلا..
"سميرة"…
وفور وصوله الى القرية اتجه فورا الى بيت "سميرة" وفتح الباب ودخل .. وصعق لما رأى…
"عمر" صديقه العزيز نائم على فراشه وبجواره "سميرة" ….
تسمر خالد في مكانه..لم يصدق عينيه…"عمر" ،صديقه، يخونه …."سميرة"، زوجته، تخونه..
ورقص الشيطان رقصت الموت.. أسرع "خالد" الى المطبخ ...أمسك سكينا وأسرع نحو الخائنين ..ونفذ فيهما حكمه بالاعدام…
ثم سقط أرضا وفارق الحياة...
انها الخيانة هذه الكلمة ببضعة حروف لكنها مؤلمة
ياريت الخائن يشعر بها وبعمقها لكن ... !! السكووووت افضل