صحابيات مجاهدات
=============
صفية بنت عبد المطلب وام عمارة
=========================
قدوتنا اليوم نساء لكنهن ليسوا كالنساء، وقفن مواقف رجولية يعجز عنها الرجال بل عما دونها، قال المتنبي:
ولو أن النساء كمن فقدنا *** لفضِّلت النساء على الرجال
فلا التأنيث لاسم الشمس عيبٌ *** ولا التذكير فَخرٌ للهلال
-أيها المسلمون: ها هي صفية بنت عبد المطلب الفارسة عمة النبي، لقد كانت - رضي الله عنها- مقاتلة شجاعة، إنها أم الزبير بن العوام، ولا عجب، لما خرج رسول الله إلى غزوة الخندق جعل نساءه في بيت لحسان بن ثابت، فجاء أحد اليهود، فرَقَى فوق الحصن حتى أطل على النساء، فقامت إليه صفية - رضي الله عنها- فضربته وقطعت رأسه، ثم أخذتها، فألقتها على اليهود وهم خارج البيت، فقالوا:
قد علمنا أن هذا أي النبي لم يكن ليترك أهله ليس معهم أحد يحميهم، فتفرقوا.
-وها هي أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية لما كان يوم أحد خرجت مع زوجها غزية بن عمرو وولديها تحمل قربة وبعض أدوات الطب والجراحة؛ لتسقي العطشى وتداوي الجرحى، ونظرت أم عمارة، فإذا بالمسلمين بعد النصر يتجرعون الهزيمة نتيجة مخالفتهم لأوامر قائدهم المصطفى، وإذا بالمقاتلين يفرون من حول النبي،
فألقت بالقربة وأدوات الجراحة وشدت ثوبها على وسطها وحملت السيف؛ لتدافع عن رسول الله، تصف أم عمارة هذا المشهد التاريخي: " رأيتني وقد انكشف عن رسول الله ـ أي: يوم أحد ـ فما بقي إلا في نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه ندافع عنه، والناس ـ أي: المسلمون ـ يمرون به منهزمين، ورآني ولا درع لي أدافع بها عن نفسي، فرأى رجلاً موليًا هاربًا ومعه درع فقال النبي:
((ألق ترسك إلى من يقاتل))، فألقاه فأخذته فجعلت أدافع به عن رسول الله، وأقبل رجل على فرس فضربني فاتقيت الضربة بالدرع، وولى هاربًا، فضربت عرقوب فرسه بالسيف فوقع على ظهره، وسمعت النبي يصيح: ((يا ابن أم عمارة، أمك أمك))، فجاء ابني وعاونني عليه حتى قتلته،
وينظر النبي إلى جروح أم عمارة فيقول لولدها: ((أمك أمك، اعصب جرحها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة))، لكنها تقفز للدفاع عن النبي قائلة: والله، ما أبالي ما أصابني من الدنيا، ويقول النبي: ((ما التفت يميناً إلا وأم عمارة تذود عني، وما التفت شمالاً إلا وأم عمارة تقاتل دوني))، وخرجت أم عمارة من معركة أحد بثلاثة عشر جرحًا، أخطرها ضربة سيف في الرقبة، وظلت تنزف وتداويه سنة،
ولم تتوقف أم عمارة عن القتال في سبيل الله، فخرجت مقاتلة في كل الغزوات، ووقع اختيار النبي على ابنها حبيب؛ ليكون أحد رسوليه إلى مسيلمة كذاب بني حنيفة الذي ادعى النبوة، وكان حبيب أصغر ولدي أم عمارة، وسيمًا قوي الإيمان وحبيبًا بالفعل إلى قلب أم عمارة، فلما بلغ الرسالة وأدى الأمانة قتله مسيلمة،
فجاءها رسول الله ومعه أبو بكر وعمر يواسونها في مصابها الأليم، وكان جرحها ما زال ينزف، فنذرت أن تشهد قتل مسيلمة وتشارك فيه،
إلى أن كانت حروب الردة ومعركة اليمامة، ولم يجد الصديق - رضي الله عنه - بدًا من موافقة أم عمارة على الوفاء بنذرها والإذن لها بالخروج مع الجيش للقتال، وكانت - رضي الله عنها - قد كبرت في السن ووهن منها الجسم، فشدت ثوبها على وسطها وراحت تقاتل المرتدين وتبحث عن مسيلمة، وانتصر المسلمون وأصيبت يومئذ بأكثر من اثني عشر جرحًا في مختلف أنحاء جسدها، وقطعت يدها من عند كتفها المصاب، فتركتها وراحت تبحث عن مسيلمة،
فنظرت فإذا بالكذاب وقد اخترقت حربةُ وحشي قاتل حمزة جسده، فتقدمت إليه تضرب وتطعن حتى خمدت أنفاسه، عندئذ اطمأن قلبها واستراحت نفسها، ولم يمض سوى زمن يسير حتى أسلمت الروح آمنة مطمئنة؛ لتلقى الحبيب محمداً وصحابته في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنها -.